יום רביעי, 26 במאי 2010

خصومة بين السيد وخادمه

حول العلاقة الراهنة بين الإمبريالية الأمريكية والكومبرادور الإسرائيلي
قبل عدّة أيام كتب توماس فريدمان - صحفي كبير في "نيويورك تايمز"، كبرى صحف الولايات المتحدة، وبوق معروف للإدارة الأمريكية - وعلى خلفية الهرْج المتصاعد في القدس وواشنطن الرسميتان: إسرائيل هي دولة اتكالية. وأمس قال دان حلوتس للتلفزيون الإسرائيلي: إسرائيل تابعة للولايات المتحدة في كل شيء، من ربّاط الحذاء حتى قمة الرأس. ما الذي جرى إذن بين الحكومتين وطيدتي الشراكة واللتين تقيمان بينهما "حلفًا استراتيجي" قديمًا.. وبالأحرى: ما الذي جرى بين السيّد وخادمه الأمين, بل أكثر خدمه أمانة في المنطقة؟
منذ الحرب العالمية الأولى وقع اختيار الإمبريالية - البريطانية حينَها، وهي تستعدّ لاحتلال المنطقة - على الحركة الصهيونية، مرتكَزًا لهيمنتها على المنطقة. ومع الأيام، في خمسينيّات القرن الماضي، حوّلت دولة إسرائيل ولاءها للإمبريالية الأمريكية التي ، وبالقوة أحياناً، عبر الانقلابات العسكرية، لملمت شظايا الهيمنة البريطانية على دول المنطقة.
دولة إسرائيل حجر الزاوية في النظام المناوئ للثورة
ولكن لم تتغيّر بنية العلاقة بين دولة إسرائيل والإمبريالية. لقد كانت القاعدة وحجر الزاوية في بنية النظام الإمبريالي في المنطقة، وهي التي تحفظه في مواجهة الجماهير الغاضبة على الوضع القائم، على الطبقات البُرجُواقطاعية التي تمسك السلطة في الدول وتشكل حلقة الوصل للهيمنة الإمبريالية. هذه هي وظيفة النظام الاستيطاني في فلسطين ولا وظيفة أخرى له. ولذلك فقد جرت رعايته وحظي بحماية الإمبريالية العالمية، وخاصة الأمريكية، بمدىً يفوق ويتجاوز كثيرًا مساحته كقاعدة. وفي نظر أولئك الأسياد يشكل النظام الاستيطاني في فلسطين الضمانة في استمرار النظام المناوئ للثورة في المنطقة.
هذه الشراكة الحميمة بين السيد وخادمه، تفسّر أيضًا لماذا ورغم كل التصريحات المتلائقة التي تخرج عن واشنطن، صادقت هذه دائمًا - وبغمزة عين كما يقول المحللون الإسرائيليون اليوم - على النشاط الاستيطاني في المناطق المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس. غداةَ ضمّ الجزء المقدسي ماوراء الخط الأخضر إلى نفوذ دولة إسرائيل بدأت حكومة ليفي إشكول في بناء أحياء جديدة، لليهود فقط كما يقتضي الجوهر العنصري الثابت للنظام الصهيوني. وكانت الخطوة اللاحقة ان بدأت الحكومة نفسها - نذكر فقط أنها حكومة رئسَها حزب العمل - في بناء مدينة استيطانية جديدة قرب حبرون-الخليل. والمعلوم أن "جميع الحكومات بنت في ماوراء الخط الأخضر"؛ في القدس وفي جميع مناطق 1967؛ حكومات اليمين وحكومات اليسار. وكان رؤساء الولايات المتحدة يغمزون بعين، ويغمزون ويغمزون، ولم تتعب عضلات أعينهم.
ما الذي حصل الآن إذن؟ لماذا يهبّ أوباما لدرجة أن تتجند وزيرة خارجية دولته هيلاري كلينتون، لتجري مع شارون محادثة تأنيبية طيلة 40 دقيقة؟ ويتجند فريدمان فيكتب كم هي دولة تابعة، وتتجند "فورين بوليسي" فتذكر أن سياسة إسرائيل تهدد مصالح الأمريكان في المنطقة، في العراق وأفغانستان؟
إسرائيل عائق أمام سياسة أمريكا في المنطقة
هيّا نتذكر الأشهر الـ12 التي سبقت حزيران 2005: قام مدير مكتب رئاسة حكومة شارون، دوف فايسغلاس، بجولة مكوكية بين القدس واشنطن. في تلك الأيام كانت الانتفاضة الثانية عبئاً سياسيًا ثقيلاً على الولايات المتحدة وهي تدير على المستوى الإقليمي حربًا صعبة في العراق. كانت الأوامر للخادم الإسرائيلي أن ينهي المسألة بأية طريقة. وكانت نتيجة المطلب الأمريكي أن انسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وسجن حركة حماس داخله.
الآن تدير الولايات المتحدة حربًا أكثر صعوبة في أفغانستان، ولم تخرج قواتها بعد من العراق. والتحدّي الإيراني هو أيضًا ليس سهلاً. وقد وصل إلى إسرائيل في الأسابيع الأخيرة رئيس الأركان الأمريكي برفقة حاشية من الجنرالات وكبار ممثلي الإدارة الأمريكية، وآخرهم نائب الرئيس. ويهدف جميع هؤلاء إلى منع إسرائيل من المبادرة إلى قصف المفاعلات النووية الإيرانية، فيما يطمئنونها بأنها الحليف الاستراتيجي والأمين لواشنطن، وأن أمنها سيبقى شأناً هامًا، إلخ إلخ.
إذن، أمام عبء التحدّي الشاق في الحرب التي يديرها في أفغانستان، تعيد إدارة أوباما توجيه السياسة الأمريكية. عليها الاعتماد أكثر من الإدارات السابقة على أنظمة في المنطقة، وعليها أيضًا محاولة إيجاد الطريق إلى شراكة من أي نوع مع نظام الإمامة في طهران. الحركات الجهادية - القاعدة وطالبان - تعادي النظام الشيعي الإيراني (في العراق مثلاً، يدير ممثلوهم حربًا شعواء فيما ببنهم). هنالك مجموعة هامة في مجلس الأمن القومي في واشنطن، تدفع نحو اتفاق؛ ولكن إسرائيل بمشروعها الاستيطاني تضع العصا في عجلات التوجيه الجديد لسياسة واشنطن.
السلطة الفلسطينية أصبحت مؤسسة مهمة في السياسة الأمريكية في المنطقة
إضافة إلى ما ذكرناه، نجد منذ سنتين في الضفة الغربية قوات "السلطة الفلسطينية" وقد جرى عليها تغيير شامل، على يد ضباط أمريكيين وبقيادة مبعوث خاص من واشنطن هو الجنرال الأمريكي كنث دايتون. فوق هذا، جرى قبل شهر تعيين "منسق قوات الناتو مع القوات الفلسطينية"، ومرّة أخرى جنرال أمريكي هو ويليام وورد.
هذه الامور مجتمعة تشير إلى أن الإمبريالية الأمريكية تعيد ترتيب أمورها في المنطقة، بقيادة أوباما. لقد أملوا على نتنياهو إعلان تأييده لصيغة "دولتين لشعبين"، ففعل ذلك وبدا كمن يركبه عفريت. كذلك فرضوا قرار تجميد البناء في الضفة الغربية وهو لا ينوي الالتزام بالقرار بعد شهر أيلول، وقد حصل على إذن بإتمام البناء الذي قد بدأ. كل هذا يتشابك في صورة واحدة عامّة تظهر فيها دولة إسرائيل مجبرة على التنازل أمام السلطة الوطنية، وفي الأساس أمام جامعة الدول العربية التي يعتمد عليها أوباما في مناوراته في وجه إيران. يحتاج أبو مازن مجالاً سياسيًا يتيح له القيام بوظيفته ضمن إعادة الترتيب التي تجريها واشنطن في المنطقة؛ على سبيل المثال تشكيلة سياسية تترجم قوات الأمن (يقودها أمريكان)، نوع من إحياء خطة "الحكم الذاتي الفلسطيني" من أيام اتفاق كامب ديفيد (1978)، حكم ذاتي محاصر من كل الجهات مثل غزة اليوم، على صلة وثيقة بدولة إسرائيل كالصلة التي بين قوات "السلطة الفلسطينية" والقوات الإسرائيلية، وتبقى تحت مراقبة ممثلي الإدارة الأمريكية. إذا قامت هذه "الدولة" فهي حكم عسكري بلباس مدنيّ.
التضارب بين جدول أعمال إدارة أوباما وحكومة نتنياهو
ولكن كل هذا يتعارض مع البرنامج السياسي لحكومة نتنياهو. فقد قسم بنفسه حركة "الليكود" في تموز 2005 على خلفية قرار شارون، قائده حينئذ، الانسحاب العسكري من قطاع غزة. إن جدول الأعمال السياسي لنتنياهو هو البرنامج التاريخي لحزب "الليكود" - "أرض إسرائيل الكاملة"؛ أي بقاء إسرائيل في كل فلسطين حتى النهر. وهذا أيضًا جدول الأعمال الذي قامت عليه الحكومة الحالية (تاركين "حزب العمل" المصاب بالهُزال والتخلي عن ركائزه التقليدية).
وحتى لو أراد، لا يستطيع نتنياهو التنازل عن جدول أعمال يعرّف وجوده داخل الدولة الصهيونية. حزبه وحليفته "شاس" كانا السبب في حل الحكومة. نتنياهو لا يريد ولا يستطيع التنازل عن استمرار مشروع الاستيطان في مناطق 67. هذا هو سبب التصادم مع سعي واشنطن إلى الاعتماد المتزايد على دول الجماعة العربية وإيجاد شراكة نسبية مع إيران - وكل ذلك بهدف تحقيق انتصار في أفغانستان. ومما جاء في مجلة السياسة الخارجية "فورين بوليسي"، يتردد صدى أقوال الجنرال بترايوس قائد أركان القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي، المنتشرة في الشرق الأوسط بما فيه أفغانستان وإيران والعراق والدول العربية. ففي ورقة عمل وجّهها منذ شهر 1/2010 حذّر بترايوس "إن سلوك إسرائيل يسبب لقادة الدول العربية فقدان ثقتهم بالولايات المتحدة"؛ وخاصة سلوكها تجاه الفلسطينيين.
أوباما لا يدير هنا سياسة رجل واحد. فمؤسسته العسكرية لديها رؤية شاملة للمصالح الأمريكية ولرأس المال المالي في وول ستريت. الآن يظهر أن نتنياهو، متستّرًا ببلاغة من أي نوع، سيضطر للتراجع: كبير مستشاري أوباما، ديفيز إكسلرود، قال قبل خمسة أيام أن إسرائيل هي "دولة اتكالية". وأول أمس أقرّ قائد أركان جيش إسرائيل السابق، في إحدى قنوات التلفزيون الإسرائيلي: إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة في كل شيء - "من رباط الحذاء إلى الرأس".
ولكن مثل هذا التراجع معناه أزمة داخلية حادّة في النظام الإسرائيلي الرسمي، وانقسام، وطريق مسدود بالنظر إلى الظروف. في هذه الأثناء القطيعة الحالية بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو - على خلفية بناء حي استيطاني في القدس - لم تخرج عن سيطرة صانعيها، وفي واشنطن لم يقرروا بعد هل من المفيد حل "حكومة اليمين" الإسرائيلية.
على الجماهير أن تعتمد على نفسها، وعلى نفسها فقط
الشعب في هذه البلاد، وشعوب المنطقة، لن يكونوا أحرارًا وأسيادًا لمصيرهم، إلاّ بالانفصال عن دائرة الهيمنة الإمبريالية، التي تتطلب بدورها القطع مع نظام العنصرية الممأسسة والبنيوية. هذه الحرية ستكون من صنع الجماهير الشعبية نفسها.

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה