יום רביעי, 26 במאי 2010

منبر حوار - حول مسألة القومية في فلسطين

لم يتراجع الحزب الشيوعي الإسرائيلي – الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة حتى اليوم عن شعاره الرئيسي "إسرائيل- فلسطين, دولتان لشعبين". ويعني هذا الشعار أن قوميتين تقطنان في فلسطين التاريخية- لكلٍ منهما الحق بدولتها : إسرائيل في مناطق 48 والدولة الفلسطينية المزموع قيامها في مناطق 67, وقد تحوّل هذا الشعار منذ مدة طويلة إلى كنز تستخدمه مجاهرة به الإمبريالية وذراعها المتمثل بنظام الحكم الإسرائيلي.
كما يتمسّك الحزب الشيوعي الإسرائيلي بشعار خالد يخصه ألا وهو "الحزب اليهودي العربي", بمعنى أن أعضاءه من منطقة 48, ينتمون إلى قوميتين مختلفتين, ويتم تعريفهما بناءً على هذا الانتماء: عرباً على حدة ويهوداً على حدة. ألا نشتمّ هنا رائحة التفرقة الإثنية أو الأبرتهايد؟ عندما تفرض قيادات حزب ما على الحزب الخطوط العريضة ذاتها التي يتبناها نظام الحكم في دولة اسرائيل؟ فلنأخذ على سبيل المثال مبنىً سكنياً في "نتسيريت عيليت" وفيه عائلة عضو عربي من الحزب و عائلة جاره, وهو عضو يهودي في الحزب, تتشارك العائلتان الحياة اليومية ويلعب الأطفال سوية دوماً. فهل يتم فصلهم في مجمع حزبهم اللغوي حسب التصنيف الحاسم "يهودي – عربي" ؟ أنت هنا (أين)؟ وأنا هناك (أين)؟ يمكن لما سبق أن يفسّر منشأ الإنقسام السياسي الحاصل في الحزب الشيوعي الإسرائيلي بين فرع تل أبيب وفرع يافا, إذ ان الوسط اليهودي المنفصل تبتلعه بالضرورة البيئة اليهودية التي يعيشها أعضاؤه.
إذاً فإن نظام الفصل العنصري بين ما اصطلحت دولة اسرائيل تسميته ب"الأوساط" - والذي يكرّس هيمنة "الوسط اليهودي" - للنظام الداخلي الحزبي للحزب الشيوعي الإسرائيلي ليس بمميز له فقط. ما هذا المثل إلا مثلاً عاماً يرجى منه أن يوصلنا إلى السؤال التالي: هل من فرق بين أبناء الفريقين الناطقين بلغة مختلفة القاطنين في هذه البلاد – وهي فلسطين التاريخية؟
هل من فرق يمكن تعريفه على أنه قومي بحت, يحتم الفصل الملموس بينهما في رقعة البلاد ذاتها؟ من الواضح أن أهل جنين وأهل أم الفحم ينتمون إلى القومية ذاتها, كذلك أمر الجدة في مخيم عين الحلوة (في لبنان) وحفيدها في الناصرة. إن النظرية التي سنطورها هنا باقتضاب تقول, عملياً, أن الصفات الثقافية كاللغة والتاريخ والأدب وغيرها لا تمثّل أساساً لتشكيل قومية بل أن الأساس هو مادي ملموس أي البلاد التي تتواجد فيها وتتطور فيها المجموعة السكانية تلك.
منطقة واحدة - قومية واحدة –
من باب توخي الدقة فإن السوق الداخلي والذي تحدّه عادة الحدود الطبيعية يخلق, بشكل كلاسيكي, منطقة يصبح سكانها قومية منظمة, وتبدأ المجموعة السكانية عملية تتوحد من خلالها اللغة, وتبني فيها تاريخاً مشتركاً. يمكن لهذه الأمور أن تتحقق فقط بفعل القوة الدافعة والتنظيمية للثورة الاجتماعية, وعادة تقود الطبقة البرجوازية الشابة والجريئة هذه الثورات. الثورة الأمريكية في القرن الثاني عشر والتي تلتها استمراراً لها الحرب الأهلية, كانت أول حالة تداخل فيها تشكيل القومية بالتحرر الوطني من حكم الاستعمار البريطاني. كانت الثورة الأمريكية, والثورة الفرنسية بعدها, أول الثورات التي طبقت مبدأ التماهي ما بين الجنسية والقومية. فإن كنت مواطناً في دولة ما تكون أيضا حاملاً لقوميتها. هكذا طبقت هذه الثورات مبدأ نظام الأرض: فلتكن من تكون طالما ولدت في هذه البلاد, تكون مواطناً فيها وتحمل قوميتها على الفور. هذه هي مبادئ الديمقراطية المتتابعة في المجال القومي.
هكذا إذاً في الولايات المتحدة, يكون أي طفل ولد في الولايات المتحدة لعائلة مهاجرة من المكسيك, ولو كانت هجرتها غير قانونية, مواطناً أمريكياً وأمريكي القومية – حتى ولو كان يتكلم الإسبانية مع عائلته وفي حيّه وليس الإنجليزية.
على هذا النحو ينقشع ستار الغموض الذي يغلف مسألة القومية بغية التستر على القضايا الجوهرية للإضطهاد القومي.
إن هدف التحرر القومي هو هدم وتفتيت جميع أساليب اضطهاد الشعوب التي تنتهجها الدول الناهبة. بما يعني ان تتحوّل البلاد المقموعة إلى دولة يكون مواطنوها أحراراً, وتكون حرةً من الاستعمار وذات سيادة. لنسر على خطى سوابق تحرر فيها المواطنون ليخطو بالإنسانية قدماً. إن هدف الصراع من أجل التحرر القومي في فلسطين هو إقامة دولة القومية – دولة القومية الفلسطينية.
قد يدّعي من يدّعي عندئذٍ أن البلاد ناطقة بلغتين مختلفتين (على الأقل) – العبرية والعربية وبالتالي فثمة قوميتين. العديد من الدول تنطق بأكثر من لغة, ولكلٍ ثقافتها الخاصة, وتجد هذه الدول رغم ذلك دول قومية. يتكلم أبناء القومية الواحدة لغتين أو ثلاثة أو أكثر. فلنأخذ بلجيكا في أوروبا مثلاً, ولغاتها الثلاثة, وسويسرا بلغاتها الأربعة ورومانيا بلغتيها, وفي القارة الأمريكية نجد كندا بلغتيها أما آسيا فالهند بمئات لغاتها. إذاً يبدو أن القومية ليست حصراً بالضرورة على مجموعة الناطقين بلغة ما. بل قد تشمل مجموعة الناطقين بلغة واحدة عدة قوميات انجليزية واسبانية وفرنسية وألمانية وبرتغالية. في الولايات المتحدة استطاع فرن الصهر القومي خلال جيل واحد أو اثنين محو الخصوصية اللغوية. أما في الدول غير المتطورة فلم يتحقق الأمر. هذا الاختلاف لا يغيّر حقيقة كون هذه الدول دول قومية.
إن حل المسألة القومية في فلسطين يكمن في تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني, أي تحريره وتوحيده والقضاء على الانشقاق الأثني وهو ما خلفّه القمع الكولونيالي, وكذلك تحقيق العودة وتحرير اليهود من قدر محفوف بالحروبات المستمرة منذ تقسيم البلاد في 48.
لتوضيح الصورة, تكون الدولة الديمقراطية العلمانية مطابقة في حدودها لمساحة فلسطين التاريخية, كما تنص الخطوط العريضة "للجنة" وتضم أبناء القومية الفلسطينية على شقيهما. وتكون دولة القومية الفلسطينية بمعناها العصري والحقيقي. يحصل الشّقّان على تمويل متساوٍ لنشاطاتهما الثقافية.
إن كلمة السر أصلاً هي المساواة ثم المساواة ثم المساواة. ليس بالكلمات فقط بل في الواقع أيضاً. المساواة هي ضمان حرية المواطنين. المساواة التامة والمطلقة بين جميع المواطنين, والحرية لجميع المواطنين بغضّ النظر عن انتمائهم لهذه المجموعة أو تلك.
أرييه بن دافيد

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה