محاولة مستهترة لـ"حلّ" قضية جلعاد شليط
في حملة مشتركة على أبواب الانتخابات الوشيكة، انطلق الشركاء ليفني وبراك في حملة سفك الدماء والقتل الجماعي في جيتو غزة الواقع تحت وطأة الحصار والجوع. إن الهدف المعلن هو منع القصف عن مستوطنات محيط غزة، ولكن الأهداف الحقيقية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالدعاية الانتخابية للشريكين. توقيت العدوان يستهدف وعي الجمهور الاسرائيلي الذي يدرك هزيمة هذه الحكومة في حرب لبنان الأخيرة، ليثبّت مكانه إدراكًا آخر وهو أن إسرائيل يمكنها أن تستمرّ في العيش على حدّ سيفها، وحتى أن تنتصر في مواجهة حُماة جيتو غزة.
المكانة الهابطة لحزبَي "العمل" و"كاديما" في الاستطلاعات، مقابل ارتفاع مكانة اليمين الحربجي وظهور نتنياهو كمن بدأ يخيط لنفسه بدلة رئاسة الحكومة، هي عوامل مزّقت أشرعة "القادة العقلاء" ليفني وبراك. لقد أسرع الإثنان إلى إعادة إنتاج نفسيهما، وهذه المرة ليس عبر حملة بقاء يرفع لواءها مكاتب الدعاية والإعلان ومستشارو الإعلام فهؤلاء قد خيبوا الظنون، وإنما عبر حملة دموية أمام أنظار العالم أجمع، من شأنها أن تحوّلهما مجدّدًا إلى مرشحين مفضّلين في الانتخابات. ويسعى شركاء حلف الدم هذا إلى استخدام مئات الجثث وآلاف الجرحى الفلسطينيين، عتبة العبور إلى مقعد السلطة وشطب ذكرى الهزيمة في لبنان.
ولكن، كلّما ارتفع عدد الجثث الفلسطينية في هذه المجزرة المستمرّة حتى هذه الساعات، يجب لأجل استكمال هذا النصر أن تنضمّ جثة أخرى، هي جثة جلعاد شليط. الجندي الإسرائيلي الذي يعرّي باستمرار أسره صغر وضيق أفق القيادة الإسرائيلية التي تأبى استعادته مقابل الأسرى الذين طالبت بهم حركة حماس.
لقد تحوّل جلعاد شليط إلى نقطة خلافية مركزية في الحملة الانتخابية لبراك وليفني، كما تحوّل إلى عقبة في وجه أي من قادة إسرائيل الحاليين حيث يحاولون التملّص من الالتزام الأخلاقي الذي يوجب استعادة الجنود الأسرى. خوف المرشحين من قرار الناخب - إذا هم أطلقوا سراح أسرى فلسطينيين وصفتهم الدعاية الإسرائيلية سنين طويلة بأنهم خطيرون وعنيفون – لم يترك لهم خيارًا أمام إستهتار القادة المنافسين. جثة شليط – الذي يُحتمل أنه ما زال حيًا إلى الآن – يجب إخفاؤها خلف جثث مئات الفلسطينيين الذين يجري ذبحهم لأجل القضاء عليه.
وبالفعل فقد قرأنا في صحيفة "معريف" - غداة انطلاق الحملة العدوانية (في 28.12.2008) – وبجانب العناوين التحريضية من قبيل "أكثر الحروب عدالة"، رأيًا خاليًا من أية مجاملة قدمه "مسؤول سياسي" ومفاده: "نعرف أن العملية تشكل خطرًا على حياة الجندي، ولكن فكّ أسره ليس في حساب بنك أهداف هذه العملية"(!)
إن الإجراءات الدموية الإجرامية لحكومة إسرائيل في حملاتها العسكرية على سكان قطاع غزة هي امتداد "طبيعي" لسياسة العزل والحصار، وامتداد لسياسة الحرمان من المستلزمات الأساسية لحياة إنسانية. وعندما تعلن حكومة إسرائيل: "سنزوّدهم بالحاجيات الأساسية" يكون المعنى الحقيقي لذلك: نحن نتعامل مع الفلسطينيين كحيوانات حبيسة في حديقة الحيوان، يقدمون لها أيضا"حاجيّات أساسية". ولكن حتى هذا لم يتمّ، وينشر الإعلام بكلّ فخر أن "إعلان إسرائيل بأنها ستفتح المعابر لإدخال التجهيزات الإنسانية لسكان غزة" لم تكن سوى مناورة كاذبة تهدف صرف النظر عن الاستعدادات للحملة العسكرية.
إن الحالة اللاإنسانية التي دهورت حكومة إسرائيل سكان غزة إليها، يحوّل قطاع غزة بالضرورة إلى مرجل ضغط في حال الغليان. وإن إطلاق قذائف القسّام ليس سوى رشقات غليان هذا المرجل. منذ شباط 2008 كان واضحًا: ضائقة سكان "سديروت" ومستوطنات محيط غزة، وأشكلون (مجدل الفلسطينية)، وسائر المستوطنات في المنطقة لا تعود إلا لحكومتهم التي احتجزت سكان قطاع غزة في جيتو، في مرجل الضغط الذي يجسّده الحرمان المروّع، والقصف اليوميّ، والإعدامات الميدانية، والعزل الكلّي عن العالم الخارجي. ليست قذائف القسّام هي السبب في الإجرام الإسرائيلي وإنما هي ردّ عليه.
إن آلة الدعاية الإسرائيلي بكلّ أجزائها، والتي تنشر الأكاذيب التي تحمّل الضحايا مسؤولية قتلهم، تصوّر جيتو غزة كأنما هو دولة معادية وليس بشرًا يتحكم المحتلّ بمصيرهم. علاوة على ذلك: في هذه الحرب الضروس على الشعب الفلسطيني، نجحت إسرائيل إلى اليوم في إخفاء هدف التضحية بغلعاد شليط لكي لا تطلق سراح أسرى فلسطينيين. فلتكن هذه رسالة وإشارة إلى كلّ أم إسرائيلية ترسل ابنها إلى الجيش.
فلتتوقف فورًا حملة الإرهاب والقتل ضد الشعب الفلسطينيّ!
ليُطلق سراح جميع الأسرى والسجناء بدون أي استثناء!
اللجنة لأجل الجمهورية الديمقراطية العلمانية في كامل فسطين
28.12.2008