יום שישי, 18 בדצמבר 2009

يُضغطون من الخارج ويقمعون في الداخل


ادعت حكومة نتنياهو – ليبرمان – باراك انها ستكون "حكومة الجميع": الليكود وحزب العمل ايضا، والترحيليين المكشوفين و "الاشتراكيين – الديمقراطيين" عديمي القاعدة العمالية ايضا... في نهاية الامر، نجحت المبادرة وكان يجب أن تنجح من جهة مصلحة النظام الصهيوني. كانت الوحدة حيوية لنتنياهو، فقد كرر كونها ضرورية مرة بعد اخرى. فلماذا كل ذلك؟
بسبب "التهديد الذري الايراني" في ظاهر الامر. لكن كل ولد يعلم في الواقع وكذلك يعلم الصحفيون والخبراء الاسرائيليون ان "الغموض الذري الاسرائيلي" يغطي بصعوبة على مجموعة من ادوات تدمير يمنع وجودها دولة اسرائيل التوقيع على الميثاق الدولي لعدم نشر السلاح الذري وذلك بموافقة الراعي الامريكي. معنى ذلك انه في اسوأ الحالات، من جهة حكومة اسرائيل، أخذ ينشأ ههنا توازن رعب جديد سيمنع قصفا ذريا ايرانيا، ولن تستطيع اسرائيل ان تهاجم ايران بغير إذن امريكي. الان، في فترة ادارة اوباما، تريد الولايات المتحدة ان تعمق اعتمادها الاقليمي على نظم الحكم الاقطاعية – البرجوازية في المنطقة، على حساب العميلة الاسرائيلية الخاضعة خضوعا مباشرا للامبريالية الامريكية. في خطبة اوباما التأسيسية في القاهرة اعلن ان "العالم الاسلامي – العربي" أصبح نقطة الارتكاز الرئيسة للولايات المتحدة في المنطقة، وبهذا الغى ميراث بوش منذ 11/9/2001. تشتمل هذه الرؤيا ايضا على دول "اسلامية" ليست عربية كايران مثلا.
اذا كان الامر كذلك، فانه يصعب ان نفترض ان تجيز الادارة في واشنطن مهاجمة اسرائيل لايران. بيد أن الاعتبارات التي تدفع حكومة نتنياهو لا تماثل اعتبارات واشنطن تماما. ومن هنا تأتي المواجهة الضعيفة النغم، التي ما تزال دبلوماسية بين الدولتين. لهذا تضعف بعثة ميتشيل ممثل اوباما الذي يعرض مطالب الادارة، حكومة نتنياهو. وذلك لان السلاح الذري يلعب دورا سياسيا حاسما في النظام السياسي الذي ينظم ويسوي علاقات الدول فيما بينها.
ان ملك السلاح الذري يقسم الدول في طائفتين مختلفتن: تلك التي تملك وتصنف على انها قوى عظمى عالمية او اقليمية، وتلك التي لا تملك وتصنف على أنها دول متعلقة باحدى القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة. في جنوب آسيا اصبحت الهند والباكستان قوى اقليمية بفضل سلاحهما الذري.
في منطقتنا، كانت الى الان قوة اقليمية واحدة هي اسرائيل. في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي زود الاستعمار الفرنسي الذي عقد حلفا عسكريا وثيقا مع اسرائيل على خلفية تأميم قناة السويس وحرب الجزائر، بالوسائل لبناء مفاعل ذري. بعد ذلك بسنين، منح الرئيسان الامريكيان جونسون ونكسون اسرائيل مباركة الراعية الجديدة. افضى ذلك الى توثيق الحلف بين القدس وواشنطن في الموضوع الذري كجزء من "التعاون الاستراتيجي" بينهما.
في نهاية الستينيات تمت الموافقة على صيغة "الغموض الذري" الاسرائيلي: ان لا تعلن اسرائيل بملكيتها لهذا السلاح، والا تجري لذلك تجارب ذرية علنية، وان تهتم الولايات المتحدة بالتفوق الاستراتيجي لعميلتها الكبرى في الشرق، أي ان تمنحها نظم السلاح المتقدمة التي يستعملها جيشها. هكذا اصبحت اسرائيل قوة اقليمية وحيدة.
جميع نظم الحكم في المنطقة تندمج في هذا النظام ما بعد الاستعماري الراسخ. وقد قامت وما تزال تقوم نتاج هذا النظام، لانه أتى يدفع عنها جماهير الشعب في بلادها. ومن هنا يأتي اعتمادها الجوهري الاساسي على اسرائيل كما تحتاجها اسرائيل تماما في مواجهة الجماهير الفلسطينية. يقال ذلك على نحن خاص في السنين الاخيرة عن التعاون اليومي بين القاهرة، زعيمة الجامعة العربية واسرائيل. فلماذا الى هذا الحد؟
لان الدولة الايرانية تسعى لان تصبح بنفسها قوة رئيسة في المنطقة. مع احتكاكات ومصادمات قد تسلم الولايات المتحدة لوجود ايران ذرية. تشير الاحداث في طهران بعد الانتخابات الرئاسية الى أن القيادة الدينية السياسية للنظام الديني بشقيه، مختلفة في طريقة التوصل الى اقصى قدر من مواصلة واشنطن.
هذا منظار يلقي الرعب في القدس والقاهرة والرياض وغيرها. فجميعها ذات مصلحة مشتركة في سد طريق ايران نحو مكانة قوة رئيسة في المنطقة. فاسرائيل على نحو خاص ستخسر آنذاك حقوق تقدمها عند الاستعمار الامريكي، لكن كل بنية الترتيب قد تجري عليها تغييرات. ومن هنا تأتي الحملة المنزوعة اللجام على ايران.
هذا هو الدافع الى اقامة حكومة الوحدة الاسرائيلية في شهر اذار الاخير. ترى هذه الحكومة مهمتها الرئيسة اعداد السكان المدنيين والجيش لحرب ساحقة، اذا اتى ضوء اخضر من الادارة. قد تكون الحرب في الجانب الاسرائيلي ايضا، فتاكة، مدمرة على نحو مخيف.
بعد ان اقيمت حكومة نتنياهو – ليبرمان – باراك كجسم أعلى يعد السكان سياسيا لبدء حرب على ايران، لهذه الحكومة جدول عمل يشتق من خيارات ادارة اوباما الاستراتيجية. أدرك نظام الحكم الايراني ان اوباما توجه اليه ايضا بخطبة القاهرة، ويمكن ان نفترض انه فعل ذلك بقنوات سرية ايضا. اذن ما الذي اصيب بالرعب في القدس الغربية؟ من يزيد الضجيج حول السلاح الذري الايراني كي يصم آذان الجمهور؟ من يجعل الموضوع الايراني شرطا لكل مسيرة دبلوماسية برئاسة الولايات المتحدة – مؤملا ايضا جعل موضوع المستوطنات بذلك في الظل؟ تصرح لفني من "كديما" عن أنه لا فرق بينها وبين الحكومة في هذا المجال. واحزاب "اليسار" صامتة. الا تؤخذ تلك المليارات من الشواقل التي تصب على الجيش وعلى المناورات استعدادا للهجوم على ايران من الميزانيات المخصصة لجماهير الشعب؟ لكن الضجيج المدوي حول "التهديد الايراني" يصم آذان "الجهات الاجتماعية" أيضا.
يبرز التحول في واشنطن على خلفية طلب تجميد البناء في المستوطنات. في واقع الامر جمدت حكومة اولمرت البناء (المناقصات) في شهر تشرين الثاني 2008، وتابع نتنياهو التجميد منذ لحظة توليه عمله في شهر اذار (الامر الشاذ هو ابعاد العائلتين الفلسطينيتين في الشيخ جراح). الجدل هو ذر اسرائيل الرمل في عيون افراد اكثر الاحزاب رجعية في اسرائيل الشريك في الحكومة. لا توجد خلافات في الميدان بين ادارة اوباما وحكومة نتنياهو. ففي واقع الامر لا توجد بدايات بناء بعد.
الى ذلك يتناول الجدل الرسمي البناء في الجيل الشاب من المستوطنين. تقول الادارة الامريكية لعميلتها الاسرائيلية: يجب الا توزن احتياجات الجيل الجديد. انها تريد مهادنة الشركاء العرب الذين يريدون ان يحطوا عن ظهورهم عبء احتلال 1967 العنيف، الوحشي بلا حاجة، تضيف الادارة: المستوطنات، جميع المستوطنات، محظورة بحسب القانون الدولي (وثيقة جنيف الرابعة)، وهي ترى ان حكمها ان تختفي. هذا منبع الصدام الحقيقي بين حكومة نتنياهو وواشنطن. وبهذا يفصح تغير التوازن في المنطقة الذي تريد ادارة اوباما تقديمه.
يسأل كثيرون هل يجب على اسرائيل حقا أن تقبل تغييرات السياسة الامريكية، أولا تستطيع ان تعمل كما شاءت، في مسألة ايران او في مسألة المستوطنات. من أجل بيان ذلك نذكر القارىء بحرب تشرين الاول 1973 التي سميت آنذاك حرب يوم القيامة. لن نذكر املاء واشنطن في تشرين الثاني 1956 مع طلب ان تنسحب اسرائيل من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها. نكتفي بذكر الاحداث حول حرب تشرين الاول 1973.
في 1972 قرر الحزب الحاكم في اسرائيل آنذاك حزب "العمل" في مؤتمره في "يميت" وهي مستوطنة في شمالي سيناء المحتلة، ان اسرائيل لن تنسحب من أي ارض احتلتها في 1967 (مقترح قرار ي. غليلي). على اثر ذلك، عزم السادات على بدء حرب محدودة تمكن الجيش المصري من السيطرة على الضفة الشرقية لقناة السويس، وان يخلخل بذلك جمود التفاوض بين الدولتين. كان هدفها منع اسرائيل استمرار سيطرتها على سيناء المصرية.
في الاسبوع الثالث من شهر ايلول 1973، عشية افتتاح الجلسة السنوية للامم المتحدة في نيويورك، اقام سفراء دول الجامعة العربية وجبة احتفالية. كان ضيف الشرف في الامسية وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر – الذي كان كما تعلمون خبيرا بالحيل الدولية. قامت خطبته في مركز الحفل. اعلن ان التحرك في الشرق الاوسط يحتاج الى حرب محدودة تكسر الجمود السياسي. وبهذا اعطى استعداد مصر وسورية للحرب ضوءاً أخضر. هذا ما حدث في 6 تشرين الاول.
منذ اسبوع الحرب الثاني أخذ ينفد مخزن السلاح الاسرائيلي. طلبت اسرائيل في غضون ثلاثة ايام صعبة، المساعدة من الولايات المتحدة ثلاث مرات. آنذاك فقط اعملت الولايات المتحدة القطار الجوي الذي لم يكن الجيش الاسرائيلي ليثبت ازاء السلاح الذي جلب من الاتحاد السوفييتي الى مصر وسورية لولاه، والذي اشتمل على بطاريات صواريخ ارض – جو – وكانت تجديدا في المنطقة اسقط الكثير من الطائرات الاسرائيلية، وصواريخ مضادة للدبابات اشتملت على صواريخ موجهة دمرت المدرعات الاسرائيلية. كانت اسرائيل متعلقة بالكلية بذلك القطار الجوي.
كانت ارساليات السلاح السوفييتية التي وصلت مصر آنذاك هي الاخيرة. على خلفية نتائج الحرب، كان كيسنجر يستطيع أن يبرهن للسادات على ان الولايات المتحدة فقط تستطيع ان تعيد الى مصر شبه جزيرة سيناء.
طوق الجيش الاسرائيلي، في الاسبوع الثالث للقتال الجيش المصري الثالث. اعتقدت الادارة الامريكية ان الحرب قد استنفدت نفسها بذلك، وانه احرز توازن بين الطرفين في ميدان القتال، إذ كانت مصر تسيطر على الضفة الشرقية للقناة وتحتل بذلك شريطا داخل سيناء، وطوقت اسرائيل احد الجيوش المصرية. في احد هذين الطرفين كان الوضع لا يحتمله واحد من الطرفين واحتاج الامر الى تفاوض. كان ذلك بالضبط الهدف الذي نصبته الادارة الامريكية لنفسها. تم تحطيم الجمود الذي استمر منذ 1967.
كان وقف القطار الجوي تهديدا جديا كافيا من واشنطن لاقناع اسرائيل بالتخلي عن مطامحها الى مواصلة الحرب، واخضاع مصر وسورية. في اذار 1975 قدمت الادارة الامريكية مقترحا الى اسرائيل، أتى كيسنجر به لـ "اتفاق مرحلي". اشتمل الاقتراح على انسحاب عميق داخل سيناء الى خط العريش – رأس محمد. وافقت مصر، وطلب رئيس حكومة اسرائيل رابين عوض ذلك اتفاق عدم قتال بين الدولتين. رفضت مصر وزعمت ان خطوة كهذه ستأتي فقط مع انسحاب اسرائيلي شامل من سيناء. اتهم كيسنجر اسرائيل بافشال التفاوض. اصدر الرئيس الامريكي جيرالد فورد اعلانا بشأن "تقدير من جديد" لعلاقات الولايات المتحدة باسرائيل. جمدت الادارة كل تبادلاتها مع اسرائيل وفي ضمنها وقف ارسال السلاح اليها. وهذا وضع فظيع بالنسبة لدولة هي آلة حرب قبل كل شيء. استمر هذا الوضع ستة اشهر. في ايلول 1975 اعلن رابين الولايات المتحدة بان اسرائيل تخضع وتقبل صيغة "الاتفاق المرحلي"، بغير عوض مصري.
كانت القضية بالنسبة للمؤسسة الاسرائيلية صدمة كبيرة وتركت عندها ذاكرة صادمة. فهي الى اليوم تحذر الحذر كله من اغضاب الراعية الاستعمارية.
وقعت اسرائيل بعد ثلاث سنين من الاتفاق المرحلي الذي أملته واشنطن، وبعد ست سنين من القرار الاحتفالي لمؤتمر الحزب الحاكم في شأن عدم اعادة أي أرض مما احتل في 1967، في كامب ديفيد في الولايات المتحدة، بتوجيه من الرئيس الامريكي كارتر، على اعادة شبه جزيرة سيناء كله حتى "آخر ذرة".
على خلفية المواجهات التي أخذت تقترب والمصالحات التي ستضطر حكومة نتنياهو الى الموافقة عليها على حساب "مبادئها" المعلنة، تحاول ان تصل انتباه ناخبيها الى الهدف الدائم: "العدو الداخلي". تكثر في الشهور الاخيرة اعمال التحرش بالجمهور الفلسطيني داخل اراضي 1948. يخرج رأس العنصرية خارجا بتشجيع هذه الحكومة. ينبغي الانتظام في نضال موحد، محليا وقطريا ازاء هدف حكومة اسرائيل هذا، لهزم السياسة العدوانية العنصرية.

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה